لم يكن لديّ أتاري تليفزيونية وأنا صغير.
كانت هذه من الأشياء التي كنت "أزن" عليها كثيرا، لكن أبي لم يستجب لهذا الـ"الزن" أبدا. كان هناك اعتقاد جازم في الثمانينات بأن التليفزيون يلحس النظر، خاصة نظر الأطفال، وبالأخص نظر طفل من مرتدي النظارات مثلي، لهذا ربما كان أبي يعتقد أن القرار الصائب هو عدم حصولي على هذه الأتاري، بالرغم من أننا كنا نحرص على أن نجلس بعيدا عن شاشة التلفاز بمسافة كافية، ولعله لم يكن يتخيل أنني بعد سنين طويلة سأقضي معظم يومي ملصقا "بوزي" بشاشة أخرى على مسافة تقل عن نصف متر هي شاشة الكمبيوتر!
جهاز الأتاري العجيب الذي يتم وصله بالتلفاز فتخرج ألوان وأشكال مبهرة تتحرك على الشاشة. طائرات ودبابات ورجال يحملون السيوف ويتحركون في متاهات. معارك وحروب وألغاز وألعاب رياضية. رجال نينجا وتنانين ووحوش تريد التهامك. كنت لا أرى هذه الأشياء إلا عند صديق لي يمتلك الأتاري، وكنت أزوره لنلعب معا لعبة الطائرة الحربية التي تتحرك فوق نهر لتقصف السفن والطائرات الأخرى، وتتزود بالوقود كل فترة. كانت هذه أعظم الألعاب في رأيي. عرفت الآن أن اسمها River Raid، وهي متوافرة على الإنترنت للمصابين بالنوستالجيا المزمنة من أمثال كاتب هذه السطور.
كنا نلعب هذه اللعبة بالتبادل، هو مرة وأنا مرة، لكن لأنه متمرس على اللعبة والأتاري لديه في المنزل فقد كان يصل فيها إلى مستويات متقدمة، ثم يأتي دوري فأخسر بعد دقيقة ونصف لتعود عصا الألعاب إليه مرة أخرى! لم يكن هذا مُرضيا أبدا!
بعد أن كبرت وتحررت ماليا وتطورت الدنيا تكنولوجيّا ابتعت جهاز الكمبيوتر أخيرا، وانكببت لساعات طويلة على لعب الألعاب الجديدة ثلاثية الأبعاد. كنت ألعب أحيانا طيلة اليوم ولا أخرج من الباب لأرى الشارع! ألعب حتى تتخشب يدي على الماوس ولوحة المفاتيح! إلى أن أدركت أن الحياة لن تستقيم هكذا، وفي قرار جريء مسحت كل الألعاب من الجهاز وتوقفت عن متابعة أي جديد في هذا المجال، رغم أنني أحن إليه من آن لآخر. يقال أنك إذا كنت عاشقا للفراولة تناول منها طنا حتى تشفى من حبها، وهذا ما فعلته.
أمضيت طفولتي محروما من الأتاري إجباريا، ثم حرمت نفسي من ألعاب الفيديو اختياريا، والآن صار التحديق في حركة الأجسام المهزوزة على الشاشة يصيبني بالزغللة والصداع.
لكم من أشياء كثيرة تمنيناها بشدة، ثم عندما حصلنا عليها أخيرا زهدناها.